أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بيد معاذ بن جبل رضي الله عنه، وبعبارة مشفق وحديث محب، قال له - صلى الله عليه وسلم -: يا معاذ، والله إني لأحبك، فلا تدعنَّ دبر كل صلاة أن تقول: (اللهم
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).
لقد كانت وصية عظيمة تتابع السلف عليها أخذاً ووصية لمن خلف لأهميتها، إذ أوصى بها معاذ الصنابحي، وأوصى الصنابحي أبا عبد الرحمن، وأوصى أبو عبد الرحمن عقبة، وأوصى عقبة حيوة، وأوصى حيوة أبا عبد الرحمن المقرئ، وأوصى أبو عبد الرحمن المقرئ بشر بن موسى، وأوصى بشر بن موسى محمد بن أحمد بن حسن، قال أبو نعيم: وأوصاني به محمد بن الحسن، وأنا أوصيكم به.
وصية جامعة، كأنما يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - من خلالها أن يوجه المسلم إلى مسيس حاجته للعون الإلهي والمدد الرباني للقيام بالعبادات وأداء الطاعات، حتى لا يَقْصُرَ قاصرٌ طلب العون من الله على أشغال الدنيا وأعباءها.
إن هذا التعليم النبوي كما أنه يشي بحاجة العبادة والطاعة إلى العون والمدد الإلهي، فهو يحمل في ثناياه الإعلان عن العجز والضعف البشري أمام القيام بشيء من حق الله - تعالى -، إن العبد مهما بلغ من قوة، ومهما اجتمع له من نشاط فهو عاجز عن مواصلة الطريق إلى الله إلا بالعون الذي يتنزل عليه من ربه، فلا يغتر بجهده ولا يدلي بعمله.قال ابن القيم - رحمه الله -: كثيراً ما كنت اسمع شيخ الإسلام يقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ تدفع الرياء وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ تدفع الكبرياء.
إن أعظم الكرامة أن يأتيك مدد ربك، الذي يدفعك لمزيد القرب منه، فتدخل في عبادته - ليس نشيطاً فحسب بل مشتاقاً لها تجد أنسك فيها، كما كان نبيك - صلى الله عليه وسلم - يقول عن الصلاة: أرحنا بها يا بلال، قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: (فلم يكرم الله عبداً بمثل أن يعينه على ما يحبه ويرضاه، ويزيده مما يقربه إليه ويرفع به درجته).
أما حين لا يكون عون الله، وإنما يوكل العبد إلى نفسه، فإنه يوكل إلى ضعف وعجز وخور ومهانة.
لا تكلني ياذا الجلال إلى نفسي *** يوماً فالعجز مركز نفسي
إن تكلني ياذا الجلالِ تعاليت *** إلى من سواك جنٍّ وإنس
فإلى عَوْزَةٍ وعجز تكلني *** وإلى ضيعة تكلني وتعسي
حين لا يعان العبد فإنه يقعد به العجز والكسل عن الكمالات، وتتطامن نفسه إلى الدون، ولا يكون منه شيء نافع، بل تذهب أيامه ولياليه دون شيء يذكر، قال شيخ الإسلام: وكل عملٍ لا يعين الله العبد عليه فإنه لا يكون ولا يقع، فما لا يكون به لا يكون، وما لا يكون له لا يدوم ولا ينفع، فلذلك أمر العبد أن يقول: إياك تعبد وإياك نستعين في كل صلاة.
نحتاج العون من الله على الذكر وإلا أصاب الألسن خرس عما ينفع، نحتاج العون من الله على الشكر وإلا بطرت النعم ثم محقت، نحتاج العون من الله على حسن العبادة وإلا تحولت عبادتنا إلى صورة لا معنى لها وإلى مظهر بلا مخبر، فصارت وبالاً على العبد لا له.
إن العبد حين لا يعان على الذكر تُغَلِّفه الغفلة، فيترك القرآن أياماً لا يتلوه، وربما أتى إلى المسجد مبكراً لحاجة فعجزت يده أن تمتد للمصحف الذي لا يبعد عنه غير متر واحد، ويعجز لسانه أو يغفل عن تسبيحٍ هو من أخف الأعمال وأيسرها على اللسان وأثقلها في الميزان، في حين لا يعجز عن ترديد الأغاني، ولا ينقطع صوته عن الحديث في المجالس بما لا فائدة منه!.
وحين لا يعان العبد على الشكر فإنه لا يرى النعم، ولا يحس بقيمتها، فلذلك يبطرها، فلا عين تُحْفظ عن حرام، ولا لسان يحفظ عن رديء الكلام، ولا رجل تمشي إلى صلاة، ولا يدٌ تمتد بالصدقة والذكر أو ترفع للدعاء.
وحين لا يعان على حسن العبادة فأنه يأتيه ما يشغله عن تحسينها والعناية بها، قال الطيبي: وحسن العبادة المطلوب منه التجرد عما يشغله عن الله، فينشغل ذهنه بما يوهنه، فإن قام إلى الصلاة نقرها نقر الغراب، والتفت فيها التفات الثعلب، وانتهي منها لا يدري ما قرأ، فخرج من صلاته لم يكتب له منها إلا ما عقل، واقتصرت نفسه على الفريضة على ضعف فيها فإن صلى نافلة لعظيم الفضل واجتماع الناس عليها كالترويح فإنه يعجز عن الاستمرار إلى آخر الشهر، أو يطلب من يأتي بها على عجل.
وكذا يخرج من رمضان قد أمسك عن الطعام والشراب، ليس له من صيامه إلا صورته(الجوع والعطش) أما حسن الصيام وحلاوة الليالي والأيام فلم يدخلها لأنه لم يركب مركب العون.
وكذا يأتي من حجه لم يجن غير (التعب والنصب) قد اقتصر على أقل القليل من المطلوب وشغل عن مراتب الكمال بالكلام.. فلله كم وقت يقطع على محروم من التوفيق والعون.
لا تكلني إلى سواك وجُد لي *** بالأماني، والأمن من بَلْوَاكا
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين..